الأخبار

"المولد النبوي..السيرة الخالدة في سياقات تربوية"



كتب: بلال الذنيبات

تُمثل التربيّة أسمى المَهمات، التي تتجشمها الأُسرة والمدرسة ودور العبادة ووسائط الإعلام، إذ هي تشكيل الإنسان وبناء شخصيته وكينونته، وتصنيع قيمه ومبادئه، التي تسير تفكيره ونشاطه في حيواته المُتباينة، وتخليق هويته الذاتية، التي تسوقه للآخرين، وتعزز أواصر الاتصال والتواصل فيما بيّن الناس، وترسم ملامح مناشط الحياة أكانت  إقتصادية أم سياسية أم اجتماعية.

كما وأن التربية، ذات المنشأ الديني، سيما التي مصدرها السيرة النبوية، تُعد أعظم تلك المصادر التربوية، حيث أنها من مصدرٍ ربانيِّ، يملك المعرفة بكينونة الإنسان، وما يصلح معاشه، تتسم بالشمولية والعلاجية للحياة الإنسانية.

لا تنحسر السيرة النبوية في ترجمة العبادات والفروض على أرض الواقع، لا بل تتضمن كذالك، ترجمة الحياة الأسرية، والتعاملات مع الناشئة، وبناء القيم والمبادئ الإنسانية، ذات الرسالة الكونية، والتي تؤسس لتحقيق المقاصد الشرعية التي تحملها الرسالة المُحمدية الخالدة، وتصنع الحياة الصالحة للناس، مُبتغى البشر ونهاية آمالهم.

وانسجامًا مع كونه قدوة البشر، وهدية السماء للأرض، صلى الله عليه وسلم، فقد كان آية في تعليم تربية الناشئة، وليس أدلُ على ذالك من مواقفه مع أسرته الشريفة، حيثُ كان يعبر عن المحبة والحنو على بنيّه، ويبني فيهم شخصية سوية، أسهمت في نضجهم وسط الجزيرة العربية.

تُمثل السيرة النبوية، بابًا لإصلاح الأبناء، وبناء الهويّة المُمكنة لهم، من مواجهة التحديات، والصعوبات، في كُل زمان ومكان، منها الشجاعة والإقدام على الحق، وإسداء الرأي بأدب، وتأهيله للتعرف على حقوقه.

إلى جانب ذالك، عنى الرسول الكريم، بتهذيب الأطفال، ذكورًا وإناثًا، حيثُ أن البنت لا تقلُ أهمية عن الولد، بل علها تفوق الأول أهمية، إذ هيَّ الأم، والتي تُشكل وتصنع الإنسان في أولى دبيبه على الأرض، في المِحضن، والمِرضع، إلى تلمس أعتاب الحياة، وتفهم كُنهها، والاندماج في الحيّاة.

كان الرسول إمثولة بتشكيل الصلاح، في إطار الأسرة، والعلاقات الأسرية، التي هي اللّبنةُ الأولى، ومصنع الإنسان، بقيمه وأخلاقياته، والتي هي أم السلوكيات التي نراها في شوارعنا وأحيائنا، الأمر الذي يُغذي المُجتمع بالفاعلية والتطور والنماء، فما هي الأمم إلا بالأخلاق، فإن هي بقيت بقوا، وإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا، كما قال الشاعر العربي، أحمد شوقي.

إلى ذالك، وفي عصرٍ تصطرع فيه القيم مع الانتكاسة الأخلاقية، في مُجتمعٍ تقوم بنيانه، على الاتصال والتواصل الكوني غير المضبوط، بما يخدم إنسانية الإنسان، وصلاحه القيمي، سرُ إزدهاره وعدالة الحياة فيه، إذ هو تمكن من الإصطلاح، الذي يبدأ من الأسرة إياها، بالقيم والأخلاق.

بيد أن الشّباب، بحكم تكوينهم النفس نمائي، هُم الذين دفعوا الثمن الأكبر، في خضم الأزمة الأخلاقية التي تصاحبت مع التطور الحضري البشري، نتيجة الاشتباك المستمر مع هذا التطور، فهم من يمارسون التفاعل مع وسائط الاتصال الكونية، ويتأثرون بالقيم المُنحرفة، والتي تولدها تلك الوسائط.

عودة إلى السيرة النبوية، وعلاقتها بالتربية والأخلاق، والتي تتكون في أيامنا هاته، إذ وفي حين أن الإسلام دينٌ يصلح أبد الدهر، فإن القيم التي تحملها السيرة النبوية المُطهرة، لا تحيدُ هي الأخرى، عن كونها مصدر إلهام لبناء القيم في زماننا هذا، بما يزاوج التطور الحضري والقيمي، في صالح خدمة الإنسان، الذي هو منتهى الغاية من كلاهما.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-