الأخبار

"قراءة في تقرير أكيد..تساؤل الدراما المعروضة محليًا وجدوى التحذير من المشاهد"



بلال الذنيبات


مع نهاية موسم رمضان الفائت، من العام 2025م، أصدر مرصد أكيد، والمتخصص بتتبع مصداقية الإعلام الأردني المحلي، تقييمًا للدراما المعروضة خلال الموسم الرمضاني، والذي انتهى فعليًا نهاية آذار الماضي.
وركز التقرير، على عدم لجوء القنوات المتلفزة المحلية، إلى التنبيه عن المحتوى الضار، سيما الذي يحتوي مشاهد عنيفة منه، إلى جانب تلك المشاهد التي تحوي مصطلحات نابية، مع عدم تغطية تلك الملاحظات، من قبل النقاد في وسائل إعلام محلية أخرى، إلى جانب تهميش حصة قصص النجاح المجتمعية والأشخاص ذو الإعاقة، من العرض الدرامي أو حتى تهيئة المحتوى لهم، سيما الصم.
ومع التقدير القيمي لهذا التقرير، والذي يتسم بالجدية والمصداقية، نظرًا كونه يصدر من مركز مرموق في رصد واقع الإعلام الأردني، ويمثل تغذية راجعة من الميدان، على مستوى الأردن، حول المعروض محليًا من المحتوى للجمهور الأردني.
ولكن، علينا ألا ننسى، أنه ومع الانفتاح الإعلامي الذي يعيشه الأردنيين، في مختلف تكويناتهم، في المدينة والقرية والبادية والمخيم، لم تعد مثل هذه الملاحظات ذات قيمة، سيما وأن المرصد لم يحدد إحصاءات بعدد مشاهدي الأعمال الدرامية المعروضة في وسائل الإعلام الأردنية-المتلفزة، وهي محدودة بالتلفزيون الأردني الرسمي، وفضائيات محلية مختلفة المشارب، منها الشبابية، ومنها الإسلامية، وفي حدود علمي لا توجد فضائية محلية موجهة للأطفال، إذ أن الأردني يتابع مختلف وسائل الإعلام العربية والتي لا تلتزم بأي قيم، من تلك التي أشار لها التقرير، ومنها من يثير نعرات مذهبية دينية.
ومع الحالة التي خلقتها الظروف السياسية، على مدى سنة ونصف تقريبًا، والتي لا شك سلبت حصة المشاهدة للتلفزة المحلية، لصالح الفضائيات الإخبارية الإقليمية، والتي بحكم الواقع السياسي المعاش، تبث صورًا حية لجُثث آدمية، يترك الأطفال لمشاهدتها، إلى جانب الهاتف، وهو المربي غير المُربى، والذي أزعم أنه يعمل كأداة تربوية غير مأمونة، يُسلم الطفل تحت نيران الزعل والحرد من الأخير، والذي لا تجد الأم حياله بُدًا إلا الهروب نحو  تسليم الطفل لصالح هذا المُربي غير المُربى، والذي هو مليء بما لا يلذ ولا يطيب من مصطلحات وصور نابية وخادشة لكل القيم.
في مجتمع، يُقال عنه أنه محافظ، نرى المصطلحات النابية منتشرة-مع الأسف، في الشارع والحافلات، في صالونات الشّباب، وفي أروقة مرافق العلم والتعليم، ممن يُزعم أنهم صفوات مثقفة ومتعلمة، ثم يُلام التلفزيون وحده، بدلاً من خطة إصلاح جريئة، تقودها الأسر أولاً، ثم المؤسسات المعنية بالتربية، في خلق بدائل ومعالجات لتداعيات وآثار الهاتف المحمول، وهو الأشد من مشهد عابر في سيل الأحداث، والتي ترد عبر عمل درامي مستورد من الخارج-رغم كونه عمل درامي عربي بالطبع.
وأما الأشخاص ذو الإعاقة، فهل تعلمنا من تجربة "أغمض عينيك"، وهل أنتجت الدراما السورية، وهي الأكثر تطورًا وحداثة في عالمنا العربي-بما لا شك فيه، أعمالاً تعكس مثل هذه القضايا، وأزعم أن الدراما السورية، نجحت خلال الفترة الماضية، في تسليط الضوء على قضايا متنوعة تشغل المجتمع السوري، ولكن ما واقعنا نحن أردنيا!
ألم تزل السكتشات هي ديدن أعمالنا الدرامية، والمكون البدوي الغالب على درامياتنا الوطنية-مع التقدير وأنا هنا أتساءل، في حين يتم استغفال واقعنا المعاش، فمع بعض المحاولات، ولكن هل هنالك شركات إنتاج تحظى بتمويل، ولماذا لم نستفد إلا قليلاً من الأشقاء السوريين الذين حلوا ضيوفًا على بلادنا منذ عقد من الزمن؟
 ولماذا لا نُقر بأن تلك الأمور المُدانة مجتمعيًا، والمقترفة مُجتمعيًا، موجودة، في القرية والمدينة والمخيم-كما أشاهد، أو كما يقال أن أبناء الجيران يمارسونها، لا نحن الملاك الطهور الذي يمشي على الأرض، ولا نقترف أي فعل مما ذكرت وسأذكر!
إن حوادث العنف موجودة في مجتمعنا، وهنالك قضايا جنائية في المحاكم، وهنالك مصطلحات نابية، تخرج من الصفوة قبل ابن الشارع البسيط-كما يُقال، ولا ننسى النموذج الأثر في أحاديثنا-نموذج الاتجاه المعاكس، والذي نراه في الصالونات الشابة، وفي مرافق الصفوات المثقفة.
إن النظام التربوي في مجتمعنا بحاجة للإصلاح، ولا يمكننا الإختباء خلف رمي التهم جُزافًا على "اللهو الخفي"، فليست المسلسلات التركية مسؤولة عن الطلاق-كما قيل في أحد التقارير الإعلامية، ولا دراما نتفلكس مسؤولة عن انتشار الفاحشة في السلوك والقول.
مع عدم تهميش هذا الدور، إلا أن التربية الوالدية الضعيفة، وتخلي الأب والأم، والمعلم والمُربي-إن وجد، عن أدوارهم المُجتمعية لصالح المٌربي غير المُربى-الهاتف النقال، والشارع الذي يتربى الأطفال عليه على قيم التقليد الأعمى للهاتف النقال، وليس التيك توك-المحظور محليًا، مسؤولاً عن هاته الحال، فبعد مرور سنتين تقريبًا هل هنالك دراسة مقارنة قالت لنا أن التيك توك يتحمل المسؤولية، بدلالة تراجع الظواهر الشاذة في المجتمع، بعد حظره من قبل الجهات الرسمية-مشكورة على صنيعها؟
لقد تسبب الحظر بانتشار متزايد لتطبيقات "كسر الحظر"، وهذه التطبيقات لا تكفل الوصول لتطبيق تيك توك، بل ربما الأخطر منها، ثم أن الإنترنت يقدم ما يطلبه الفرد، فمثلاً عندما أرى الفيسبوك لا يعرض سوى الأخبار لي فهذا لأنني غالبًا ما لا أفتح سواها، فيما لا أشاهد الفيديوهات الخادشة للحياء العام، ذاك لأنني ببساطه لا أبحث عنها، وهذه واقع خوارزميات الميديا في العالم.
كم من أهلينا يعلم بكيفية استخدام تقنيات المراقبة الوالدية؟، هل تقوم المؤسسات بعقد دورات للنساء والرجال على حد سواء في هذا المجال؟، لما لا تشجع المؤسسات دورات التهيئة للحياة الزوجية، على إعتبار أن التعلم قيمة مستديمة، وليست بالضرورة أن تكون محصورة في إطار زماني ومكاني محددين؟
إن تحميل الفضائيات المحلية مسؤولية الأخلاق في المجتمع، ليس أمرًا صائبًا، ففي عالم الميديا والإعلام المفتوح المصدر، فإن التربية والأخلاق المكتسبة بالتعليم والتربية-مسؤولية اجتماعية، ولا يصح ولا يجوز علميًا ومنطقيًا، رمي الكرة على أحد وتحميله الفشل، فيما تبقى الأسرة والجامعة ودور العبادة والمدرسة، في غياهب رفاهة التغني بالمجد والسؤدد على حساب أجيال تضيع، تضيع أخلاقيًا وتربويًا.
كان الشاب الأردني، مثالاً في الجدية والعمل، ولكنه اليوم نراه رؤى العين، لا يخالطها الشك يتلفظ بكلمات خادشة لكل شيء، وكان مضربًا للمثل، ولكنه-ولا أعمم هنا، بات متسكعا تائها وفارغا، ويفشل في الحياة الزواجية لأنه لم يُبنى تربويا بشكل صحيح، ولم تعركه الحياة، ولا التجارب، ولم يحظى بالتأديب على يد مُربي.
في الولايات المتحدة، وسعيًا من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أطلق حملة طموحة لمعالجة مساوئ الديموقراطيين، والذين شرعوا المثلية والتحول الجنسي، ما هز الصورة الطبيعية للآدمية، والمكونة من رجل وإمرأة، في ذالك المجتمع، وهو طموح إصلاحي اجتماعي، مُقدر من الإدارة الأمريكية، ونحن في مجتمع لا زال محافظًا على بعض قيمه، ولم ينقطع عن تلك القيم، ولكنه بحاجة لمشروع إصلاح.
هذا المشروع ليس بالكلام، هو مشروع يجب أن تتبناه الجامعة، ودور العبادة، والأسر، ينجح في التعاون، والتعاضد المجتمعي هو المطلوب اليوم لمواجهة المرض، ومؤسساتنا تملك المؤهلات، ولكنها بحاجة من يشحذ هذا المشروع.
هو مشروع دولة، والأردن كدولة ذات جذر ديني إسلامي شريف، حريٌ به أن يحمل هذا المشروع الإصلاحي، كي يكون مثالاً يُحتذى في هذا العالم، كما كان في مقدمة مكافحة الفكر المتطرف، قبل سنوات، بدلالة رسالة عمان وإسبوع الوئام، فهو يملك القيادة الدينية المتمكنة، والتي من الممكن أن تنجح في قيادة الإصلاح الأخلاقي، والذي يجب أن يكون على أسس علمية، تستمد منهجها من الدين الإسلامي-ركيزة الدولة أولاً، والجامعات الأردنية العريقة، بيوت العلم والمعرفة، ومصنع الرجال الأسرة الأردنية، ودور العبادة-مسجدًا وكنيسة، فالإصلاح الأخلاقي مصلحة وطنية عليا، ثماره إن نضجت ستشمل الجميع.


إن الإقرار بالمشكلة، والعمل على حلها بتؤدة ونشاط عقلاني ومخطط مركزيًا، قد يدفع بتفجير مكنونات قيم الخير في جوانيات الأردنيين، فالبذر صالح، وإن كان بحاجة لنظام ري حكيم فنحن كدولة تستمد قيمتها من خير البشر-أحفاد الرسول الكريم-، نملك هذا النظام، ولكن هذا النظام- وهو هنا التربية والتنشئة المجتمعية،  بحاجة لمن يمسك به ويفعله.
فعلوا الخير في جوانياتكم تخرجوا من براثن الفاحشة الأخلاقية التي نرى، إلى رحابة الإصلاح وجنة الأخلاق..فبالإرادة تُبنى القيم الصالحة.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-