الأخبار

"التهجير..حلم متجدد وطموحات غير منطقية"



 كتب بلال الذنيبات

"الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يحلم، فقد مررنا بهذا السيناريو، وها نحن نغادر قطاع غزة".
هذه كلمات المحلل الإسرائيلي، يوني بن مناحم، بالتزامن مع تدفق صور وفيديوهات، الاندفاع البشري الفلسطيني التاريخي، نحو شمال القطاع ذاته، في مشهد لم تحظى الكاميرات فيه، عندما كان الغزيين على مرمى حجر من الحدود مع الشقيقة مصر.
ورغم كل شيء، إن الحالة الاجتماعية التي تقدمها الصورة اليوم، هي أن فكرة التغريبة الفلسطينية، في مشهد يشابه ال 48 أو 67، لن تكون في ال 25، لماذا؟، ببساطة لأن الشخصية الفلسطينية سيما الغزية منها، تشكلت لديها حالة من عدم التفريط بالأرض، وهو شعور جمعي، يصعب العبث به، لا من العدو، ولا حتى من غيره ممن يدعموه.
وردود الفعل المشككة بالموقف الأردني، والذي دأبت الحكومة على  تأكيده مرارًا وتكرارًا، ليست غريبة، فللأسف إن حالة الانجرار وراء كل كلمة تقال هنا أو هنالك، وكأن الأردن الذي بُني على مدار مئة عام، مجرد دولة من كرتون، وهذا غير واقعي وليس صحيح، فالأردن دولة ذات حضارة، وتحمل رسالة، ولها مواقفها المبنية على استراتيجية ثابتة، لا تأخذ بردات الفعل، ولا تؤثر فيها الكلمات، وتعمل وفق مصالحها.
لم تنجح صفقة القرن في نسخة 2016م، عندما كانت المنطقة هادئة، ولا تعاني أيَّ إضطراب، ولكن اليوم، هنالك أناس رسموا حالة من النصر، رغم الكلفة الدموية الباهظة، ولكن حالة نصر، كما يقول الإسرائيلي، ومن كافة شرائح المجتمع، وجولة على القنوات  أو الصحف العبرية، تؤكد هذا الزعم-الذي أقوله كمراقب وأخصائي اجتماعي.
ثم أن عمليات التبادل الأخيرة، كان من الواضح فيها، أن الغزيين تمكنوا من الخروج بصورة من النصر، ونظموا عمليات تبادل هي الأكثر تنظيمًا، وفق شبكة سي إن إن الامريكية.
وهذه المعطيات، يضاف لها الاندفاع الفلسطيني نحو شمال القطاع، بالتكبيرات والتهليل، ومظاهر الفخر والفرح، رغم الدمار المهول، كلها تمنح مؤشرًا، أن من يسعى في تهجيرهم، لا يرون في نفسهم قبولاً للفكرة، خصوصًا وأن الفكرة ذاتها فشلت عبر السنة وبضع أشهر السابقة، ولم تشهد الحدود بين مصر وغزة- بحكم الجوار الجغرافي البري ، أيَّ نوع من نية الفلسطينيين نحو مغادرة القطاع.
وفي المحصلة، وبالتأكيد، فإن الاستراتيجية الاقتصادية في دفع الفلسطينيين للهجرة، لم تفلح منذ سبعة عقود، فهل ستفلح في المستقبل، لو طبقت؟
لا الفلسطينيين، سيغادرون أرضهم، ولن تتمكن إدارة ترامب الحالية، من فعل شيء إضافي عما فعلت سابقته، وفي ذات السياق، فإن الأردن ومصر، قالا بشكل مستمر أنهما ضد التهجير، ويملك البلدان قدرات على مواجهة مثل هذا المخطط، فتاريخهما بالدفاع عن نفسيهما واضح ومشهود له، ولم يكن البلدين في التاريخ الحديث بحالة اقتصادية أكثر قوة مما هما عليه الآن، ما يعني أن "وهم" الضغط الاقتصادي لا يؤتي ثمارًا مع البلدين.
أردنيًا، الموقف ثابت وواضح، لا للتهجير، ولا لتصفية القضية الفلسطينية على الحساب الأردني الوطني، وهو ثابت مستقر في الاستراتيجية والعقيدة السياسية الوطنية، وليست الأردن بحاجة تأكيد المؤكد، وليست بحاجة للتأثر بخطابات التشكيك المتناقضة في رسائلها، والتي تستهدف الحط من قدرات وطننا العظيم.
الأردن، الذي حمل المساعدات جوًا لأهلنا في غزة-وحيدًا، عندما لم تكن تدخل القطاع حبة قمح واحده، وعزز جنوده الأبطال جهد الرعاية الطبية في شمال القطاع وجنوبه، وعلى مدار الحرب، واستضافته الإخوة للعلاج في مركز الحسين للسرطان، علاوة على مبادرات تركيب الأطراف الاصطناعية، والتي تمت بتوجيه "ملكي"، وتخللها لقاءات ملكية ببعض الغزيين ممن تمكنوا من الوصول للأردن، كل ذالك كانت رسائل تردع المشككين بما تقدم مملكتنا من فعل.
في وقت كان البعض يكتفي بإطلاق "التصريخات"، وأخرين يشغلون نفسهم ببث الاتهامات لوطننا العزيز، كانت المملكة تعمل على تقديم الإسناد اللوجستي للأشقاء في القطاع والضفة-على حد سواء، فعلا لا قولا.
ولقد احتضنت عمان مؤخرًا، مؤتمرًا دوليًا لجمع التبرعات، في سبيل تقديم المساعدات للأشقاء، ودعم جهود الإعمار في القطاع، وكان تحت رعاية عم الملك، الأمير الحسن بن طلال-حفظه الله.
كل هذا ويأتيك أحدهم ليتهم الأردن بأنه لا يصون مصلحة أشقاءه؟، ولا ينشغل البعض سوى بإطلاق الاتهامات الجزاف، لكن الأردن الرسمي والشعبي يعرف ما يفعل، هو يقدم كل شيء لتوأم روحه وشريانه التاريخي، مهما حاول "المتعاصين" بتشويه صورة بلدنا العزيزة، خلال السنوات الأخيرة.
الأردن لا يحركه شخص مريض يعمل على التجزيف خارج السرب الوطني، أو يعتقد أنه يتعامل مع دولة من كرتون، فالأردن قوي ذات رسالة واستراتيجية، ومواقفه لم تتغير منذ أن طلت مؤامرة "صفقة القرن" برأسها، مع أنه وحيد، إذ أن الواقع العربي ممزق ومفرق، وكل من الإخوة العرب مشغول بما لديه من هموم، وهذه حقيقة الساعة.
ثم أن المؤشرات، والتحولات المؤملة، إن قيست بسياقاتها التاريخية، لا تشي بنجاح أي من أفكار "التهجير"، لإنه وببساطة إبن الأرض لا يريد التفريط فيها، ومن لم يترك أرضه تحت صليات النار، محال يتركها تحت سياط "لقمة الخبز"، فالأولى أشد وأمضى.

(الذنيبات نيوز)

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-