أخر الاخبار

"الراسب توجيهي..والبيت المنفعل مع النتيجة"

 


كتب بلال الذنيبات

"راسب توجيهي"، أو "غير المستكمل لمتطلبات النجاح"، أو أي مصطلح تشاؤون فالدلالات واحدة، في ظل مصطلحات تعكس "أزمة المصطلح" في مجتمعنا، وردات الفعل كذلك، ولربما تدفع الحاجة المجتمعية الدافعة للظفر والغلب في مجتمعنا، والتي لا تعكس رغبة الشخص أو ميوله الحياتية أحيانا، الذي يمر في الأثناء بمخاض عسير من  "ردات الفعل" المتباينة والتي قد تدفعه للإنتحار، أو التعلم من الخطأ إن وجد، والبناء على التجربة والتعلم منها، بعقل-ليس مرتبطا بالتحصيل الأكاديمي في المحصلة كما يخيل.

هنا يبرز على السطح، دور الأب والأم، إلى جانب التهيئة القبلية منزليا تربويا وثقافيا مجتمعيا، في تقبل النتيجة أولا، والإعتراف ثانيا بالإستعدادات والمهارات المرتبطة بالطالب إياه، وعدم الرفض والتعنيف للإبن-غير المجرم ثالثا، فالرسوب-غير الإستكمال ليس جريمة في حد ظني، وإنما احتمال وارد، حياتيا فالنجاح والفشل سنة الله في خلقه، فالله خلقنا متمايزين بالقدرات، ومن الإنكار لسنة الله-عز وجل، عدم تقبل هذه السنة.

لا مندوحة من السعي، والأخذ في الأسباب، ولكن عندما يأتي البيدر قد يمتلئ بالقمح اليانع، وربما لا يكون البيدر ممتلئا،  فالفلاح يتعب ويشقى في حياته، وحين الحصاد يحمل أدواته ويبدأ بالحصاد مئملا من الله الكريم الغلة الوفيرة، ولكن ربما لا تكون، حينها يعود وينشط في موسم جديد فتستمر الحياة، أو يضعف ويهتز وينهي حياته مغضبا الله في عدم القناعة بما رزق، ومفقدا نفسه شرف المحاولة ثانيا للوقوف على قدميه.


والإنسان "الطالب" هنا، كالفلاح تماما، يبذل جهدا في التحصيل، وفي يوم النتائج يحصد رزقه، فأما يتقبل وينهض من جديد في مسارات الحياة المتعددة، وأما يندب حظه، ويذهب متطرفا حد الإنتحار، وكم وقعت حوادث في مجتمعاتنا من هذا القبيل للأسف، نتيجة جملة من الأسباب نوردها بالتحليل والتدبر تاليا.

أولا..مبدأ المغالبة، فالمغالبة مبدأ متأصل في ثقافتنا "كن الضارب لا المضروب-كما يقول المطلب الغمزي من مجتمعنا"، وفي الحقيقة فإن نمط التربية التي نربي عليها الذكور-تحديدا هنا، يدفعه دفعا كي يكون القوي المتمكن المنتصر دوما في معاركه-التوجيهي أحداها، وهو أمر جلل، حيث أن القدرات البشرية متفاوتة من الخلقة، والرزق مقسم منذ البدء، ما يفاقم من معاناة المسكين غير المالك لتلك القدرات لظروف-معقدة-، ما يجعله غير قادر على تمثل مبدأ المنتصر فينظر له نظرة المغشي عليه من الموت-مجتمعيا على الأقل محيطه-، في أوصاف التهميش والتحقير العلنية وغير العلنية، سيما في البادية والقرية والمدنية الهجينة.

ثانيا..الصيت والسمعة، إذ بات ينظر للتوجيهي، كأحد كروت "الصيت" في مجتمعنا، إذ يبالغ بالمديح للناجح القوي الذي رفع اسم والديه عاليا، في المقابل تمتهن كرامة الراسب، ويدنس شأنه حتى يخال أنه اقترف منكرا "لا قدر الله"، ما يضغط على سيكولوجية الراسب، ويدفعه لردات فعل  معقدة، إيجابية النجاح في الجولة الحياتية القادمة، أو سلبية حد الإنتحار، سيما عند الذكور.

ثالثا..الرغبات غير الواقعية، سواء تلك المنطلقة من الأهل، أو الأبناء-البنات لا فرق هنا،  والغير متكافئة مع القدرات، أو التي تغلبها الظروف النفسية والذهنية، المصاحبة لفترة التقدم للإمتحانات وما قبلها، من حال طوارئ، واضطرابات داخليا وخارجيا.

رابعا..ضعف المجتمع المدني والدولة ممثلة بمؤسسات التعليم في هضم الراسبين-الممتلكين لمهارات مهنية وتقنية، ففي حين يقيس التوجيهي ذاكرة الطالب، لا يعني النجاح والرسوب فيه لمحصل إحداهما، عدم إمتلاكه المهارات المطلوبة في سوق العمل-الهدف المرصود من العملية التعليمية برمتها في عصرنا، إذ ورغم ذيوع الدبلومات المهنية والتقنية لغير الناجحين، فإن الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، لم تسوق بعد بكفاءة-على الأقل، الفرص التعليمية أمام الراسبين، والنظرة غير المنصفة لأصحاب المهن من منطلقات ثقافية تاريخية، تعود لجذور مجتمعية عميقة، إلى جانب حداثة العهد للفكرة، والتي بحاجة سنوات من الحفر بالصنم الثقافي المقدس في مجتمعنا، والمتمثل بالتعليم الأكاديمي من أجل الوظيفة المكتبية، بحثا عن الهيبة والمكانة المرموقة، بغض النظر عن الدخل.

ولا بد الإشارة ختاما بالمطلوب مجتمعيا وأسريا، للخروج من عنق زجاجة الأزمة، إلى رحاب الفرص الحياتية بالنسبة للراسب، حفاظا على حياته الأغلى-لا شك كإنسان، وإعترافا بنظرية البيدر والمحصول إياها، والأهم الإقرار المنطلق من إيمان حقيقي بقدر الله:

أولا..الإعتراف، فالإعتراف بالقدرات والسنة الممثلة بالتمايز البشري، يريح النفس، ويهيئها لما رزقها الله.

ثانيا..كلا مقارنة، فليس أبن الجيران-مع تقديري له، بذات الكفايات مقارنة مع أبني، فكل منهما لا شك مختلفين في الكثير من الجوانب، وحتى التوائم، فأصابع اليدين لا يشتبهان نموذجا للإقرار بالخلافات بيننا كبشر على أساس القدر.

ثالثا..أبني أهم، حياتي المهمة، لا وجهة نظر الأخر، فقديما قيل "إرضاء الناس لا يدرك غايتها"، والأهم هو الإستمرارية، والمضي في دروب الحياة، بغض النظر عن النتائج-مع الأخذ بعين الأسباب، ووعي الذات ومدركاتها-قدراتها.

رابعا..الإيمان بثنائيات الحياة-النتائج تحديدا، فهنالك النجاح والفشل، والإيمان بالتعدد بين مسارات الحياة، فلا حدود للعقل البشري، إن هو مكن، بدلا من أن  يثبط بأوهام العجز والتخويف من المجهول القادم،  والواقع المظلم، ولنا في القصص عبرة.

(الذنيبات نيوز)

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-